31/12/2018 الفولکلور الفیلي

تعرف على .. النغمة الكوردية الأكثر أصالة ...و استخدامها في الاناشيد

 

هورة (Hora) نغم الحن غنائي شائع في مناطق محددة من كوردستان. اداؤه قريب أو ربما مواز لاداء لحن المقامات الشرقية، لكن في الهورة يحس المرء عمقا زمانيا. البعض من المؤرخين ومؤرخي الموسيقى خصوصاً، يعتقدون ان أرض كوردستان هي مهد الألحان على مستوى العالم.

 

المؤرخ اليوناني الشهير (كزنفون) مؤلف كتاب (مسيرة العشرة آلاف) قال في القرن الخامس قبل الميلاد: أثناء عودة الجيش اليوناني من الشرق نحو بلاد الاغريق، تعرضوا أثناء مرورهم بكوردستان لهجمات كان يشنها المحاربون الكورد الذين كانوا ينشدون الأغاني ويرددون الألحان وهم يهاجمون جماعيا الجيش اليوناني. ويتساءل المؤرخ كزنفون «كيف تيسر للكاردوخيين (اسم الكورد بحسب اللغة الاغريقية آنذاك) أن يلموا بفن الموسيقى وأن يستخدموا الالحان ويوظفوها أناشيد حربية وهم يهاجمون العدو؟»

 

كتبت مجلة فرنسية خاصة بفن الموسيقى «بلاد ما بين النهرين هي أقدم مهد للموسيقى في العالم.» ومن المعروف ان هذه الجغرافية سكنتها أقوام زاكروس والساميين والآريين. وتراث مابين النهرين يشترك فيه عدد من الأمم والشعوب، الكورد وأجدادهم جزء مهم من هذه الشعوب والأمم، وبالتالي يشتركون في تراث مابين النهرين.

                                          

ولدى الشعب الكوردي تراث موسيقي كبير، بل إن الألحان والموسيقى هي جزء من حياة الانسان الكوردي. وبالرجوع الى المجتمع الكوردي التقليدي الذي يجد أبهى صوره في مجتمع الريف الكوردستاني، نجد إن للموسيقى حضوراً واسعاً في مختلف مناحي حياة الفرد الكوردي، بل ان طقوس الديانات الكوردية تؤدى بصحبة الموسيقى والألحان. وفن الموسيقى له جذور عميقة في الحياة العملية والحياة الروحية للانسان الكوردي، بل هي جزء مهم ومتمم لحياته. ونظرا لكون الموسيقى، ربما تعد الفن الأكثر قدما، عليه فإننا أمام تاريخ عريض لكل نمط غنائي من الانماط الغنائية الشائعة في التراث الموسيقي الكوردي.

 

وبحسب المتخصصين بفن الموسيقى فان ألحان (هورة) نمط غناء بدائي بدليل عدم حاجته للموسيقى بل تؤدى بالصوت البشري، وهي ربما نمط الغناء الأكثر أصالة والأقدم لدى المجتمع الكوردي. ويرى البعض ان (هورة: نمط غناء لحني يميل من حيث طبيعته في الاداء الى أجواء المقامات) ربما يعود الى (آهورا: اله الخير) وعصر ظهور النبي زرادشت المبشر بإحدى الديانات الكوردية القديمة. هورة هو لحن قداس يتغنى فيه الانسان بثلاثية (الكلام الطيب، الفعل الحسن، الفكر النيّر) من أجل اله الخير (آهورامزدا). ومع توالي العهود وتبدل معتقدات الكوردستانيين، بقيت الـ(هورة) كنمط غنائي يتم تأديته في بعض مناطق كوردستان، فيما تلاشى وغاب في الجزء الأعظم من بلاد الكورد.

 

يقول الكاتب الكوردي المختص بالكوردلوجيا والتراث الثقافي الكوردي (عزيز مرادي)، هورة هو أم جميع الألحان في العالم، لا يوجد لحن يستطيع أن يجاريه من حيث امتداد جذوره في أعماق التاريخ. الديانة اليارسانية التي يعود تاريخها الى الديانة الزرادشتية والمثرائية، تشير نصوصها الى لحن (هورة) وتعده كأول لحن بشري.

 

ورد في كتاب (سرنجام: الكتاب المقدس في الديانة اليارسانية): عندما أراد الله أن يبث الروح في جسد آدم، لم تستقر الروح في جسد آدم الا بعد مرور أربعين يوما، أمر رب العالمين بنيامين بأن يبث لحن الحياة في جسد آدم. أنشد بنيامين الـ(هورة) للروح فدخلت الروح جسد آدم واستقرت فيه.

 

للهورة لحن خاص يؤديه المنشد بمفرده ومن دون موسيقى، وهو لحن ذو طابع قداسي وقدسي يأخد بأحاسيس مستمعه نحو أعماق التاريخ. يؤديه المنشدون في البراري والسهوب وأيضا وسط التجمعات السكنية. ومازال منشدو لحن (هورة) ينتشرون في مناطق شيروان، جرداول، ايوان، ايلام، كوران، سنجاوي، قلخاني، كلهور ولدى جاف كرماشان. كل هذه المناطق موجودة في شرقي كوردستان، وهناك مناطق في جنوب كوردستان أيضا ينتشر فيها نشيد لحن (هورة) خصوصا لدى عشائر الجاف.

 

وتتحدث نصوص هورة عن الطبيعة وجمالها والحروب والهجرة والحنين والعشق. وتؤدى الـ(هورة) بعدد من المقامات والالحان، ونصوصها الشعرية ذات طابع ملحمي أو غنائي حسب نص السردية التي يتحدث عنها.

الفولکلور الفیلي